” الأم المُلهمة ” هي ليست الأم التي تفيض حباً وحناناً يغمر فلذات أكبادها فقط ، وليست التي تُعد لهم ما لذ وطاب مما يشتهون ، وليست التي تكسوهم أبهى الحُلل ، وتغدق عليهم العطايا والهدايا ، فهذا هو الدور الأساسي لكل أمٍ والذي لا نزاع فيه ، بل وتتشارك فيه كل الأمهات ، ولا شيء يضاهي حنان الأم وحبها لأولادها فكل الأمهات يفضن حباً وحناناً لأولادهن .
” الأم المُلهمة ” هي الأم التي تأخذ بخطام أبنائها نحو المعالي ، وتغرس في نفوسهم أسمى المعاني ، فهي تعلم يقيناً أنهم الأثر الممتد لها ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله ﷺ قال : ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ” رواه مسلم .
” الأم المُلهمة ” هي التي تتطلع لمستقبلٍ مشرقٍ لأولادها ، فهي لا ترى فيهم أنهم صغار يحتاجون لأن تحيطهم برعايتها فحسب ، بل ترى أنهم ” مشروع العمر” الذي يستحق أن تبذل له الغالي والنفيس ، فهي تُعدهم للعُلا والمعالي ، ليكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم ينهضون بأوطانهم نحو المجد والمعالي ، ويُخلدون ذكرهم في ذاكرة التاريخ .
وقد صور لنا البطل الشاب القطري ” غانم المفتاح ” بكلماته ” الأم المُلهمة ” في مثالٍ حيٍ في أبهى صوره ، وأجمل معانيه ، ولم يكن ” غانم المفتاح ” إلا مثالاً حياً على ثمرة من ثمرات ” الأم المُلهمة ” ، وما هو إلا قطاف جدٍ وسعي لأمٍ مُلهمة قررت أن تتخذ قراراً شجاعاً ، وأن تقود ابنها نحو المعالي مهما كانت الظروف .
أم البطل ” غانم المفتاح ” لم تكن أماً عادية ، ولم تتعامل مع ابنها بالأسلوب التقليدي المعتاد ، إنما كانت أماً مُلهمة ، أماً فريدةً من نوعها ، ففتحت لابنها ذي الإعاقة الشديدة النادرة آفاقاً من الطموحات والآمال وقادته نحو نجاح لم يكن ليبلغه – بعد توفيق الله عز وجل – إلا بوجود داعمٍ يقف خلفه ، فقد آمنت بقدرات ابنها رغم صعوبة اعاقته ، وزجت به في ميادين الإنجاز والنجاح ، حتى أصبح علماً من أعلام المجتمع البارزين ، فصنعت منه ( قائداً فذاً ، ومتحدثاً بارعاً ، وسفيراً لبلاده ، ومُلهماً للآخرين ) .
وما ذكره غانم المفتاح في الفيديو واصفاً دور أمه البارز في حياته يُغني عن ألف مقالٍ وخطاب ، بل وكان يكرر الثناء على والدته مُشيداً بها وبدورها البطولي في حياته ، وحُق لها ذلك ، فإن شئتم فأطلقوا عليها لقب ” الأم المُلهمة ” أو ” الأم الاستثنائية ” أو ” الأم فريدة عصرها ” .
لم يكن سر اختيار ” والدة غانم المفتاح ” في هذا المقال كونها مثالاً حياً شاهداً على دور الأم البارز في دفع أبنائها نحو النجاح فقط ، بل لإيمانها الشديد برسالتها وواجبها كأمٍ نحو أبنائها مهما كانت ظروفهم وقدراتهم ، فبالرغم من كون ابنها من الأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة والنادرة جداً ، لكنها استقبلت قدومه للدنيا بحبٍ ورضا وتسليم تام ، فلم تتقوقع على نفسها ولم تندب حظها ، بل مباشرة وبلا تردد فكرت وتبنت أن تجعل من هذا الابن بطلاً يُشار له بالبنان مهما بلغت إعاقته ، فآمنت بقدراته وذللت له الصعاب ، وحفزته ودعمته وعلمته مهارات التعامل مع المجتمع ، ولم تتولى دور المدافع عن ابنها ضد نظرات المجتمع بل تركت له المجال ليخوض غمار التجربة فتزداد ثقته بنفسه وهذه هي ” الأم المُلهمة ” ، التي تصنع من أولادها أبطالاً مهما كانت ظروفهم .
فرحلة ” الأم المُلهمة ” ليست رحلة سهلةً ، محفوفة مجملة بالورود ، بل هي رحلة شاقة تحتاج للصبر والكفاح ومجاهدة النفس حتى تبلغ الآمال :
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي
وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وبالتأكيد فإن في المجتمع أمثال ” الأم المُلهمة ” والدة البطل ” غانم المفتاح ” لم يبلغنا خبرهن ، كنَّ المحفز والمعين لأولادهن للانطلاق في ميادين الحياة ، وسطروا أمجادهم في ذاكرة التاريخ .
فكوني لأولادك ” الأم المُلهمة ” المحفزةً لهم للانطلاق نحو المعالي والنجاح في المستقبل ، فالأبناء لا يحتاجون للطعام والشراب والملبس الحسن من الأم فقط بقدر حاجتهم لحسن الرعاية والتوجيه ، وبقدر حاجتهم لمن يأخذ بأيديهم ويُفسح لهم الطريق لينطلقوا نحو المعالي ، فكوني لأولادك ” الأم المُلهمة ” فهم الأثر الممتد بعد الممات .
ماجستير التوجيه والإصلاح الأسري ، أخصائية اجتماعية مصنفة من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ، مرشدة أسرية ، مدربة ، كاتبة .
- This author does not have any more posts.
أ. نوال حميد الحربي
ماجستير التوجيه والإصلاح الأسري ، أخصائية اجتماعية مصنفة من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ، مرشدة أسرية ، مدربة ، كاتبة .